تابع رواد علم الاجتماع 2
صفحة 1 من اصل 1
تابع رواد علم الاجتماع 2
كان دوركايم يعتقد أن الأفكار يمكن معرفتها عن طريق الاستبطان فلسفيا ًلكن الأشياء لا يمكن إدراكها عن طريق النشاط العقلي الخالص ونحتاج من أجل فهمها إلى معلومات من خارج العقل. هذا التوجه الميداني ودراسة الحقائق الاجتماعية كأشياء هو الذى ميز علم اجتماع دوركايم عن التفكير الفلسفي لكونت وسبنسر .
في حين أن معاملة الحقائق الاجتماعية كأشياء جابهت التهديد من الفلسفة لكن لم تكن كافية لمواجهة التهديد من علم النفس. ومثل علم الاجتماع الدوركايمى فان علم النفس يعتمد أيضا ً على الدراسة الميدانية. ولتمييز علم الاجتماع عن علم النفس ذكر دوركايم أن الحقائق الاجتماعية مستقلة عن الفاعل وقاهرة له. لذلك فان علم الاجتماع يدرس الحقائق الاجتماعية في حين أن علم النفس يدرس الحقائق السيكولوجية. بالنسبة لدوركايم، الحقائق السيكولوجية أو النفسية هى في الأساس ظواهر موروثة. بالرغم أن هذا لا ينطبق على علم النفس اليوم وربما لم يكن وصفا دقيقا لعلم النفس في ذلك الوقت، لكنه مكن دوركايم من الفصل بين المجالين.
الحقائق السيكولوجية هى بالتأكيد داخلية موروثة والحقائق الاجتماعية مستقلة وقاهرة. وكما سنرى بعد قليل هذا التمييز ليس نقياً كما ود دوركايم أن نعتقد. على الرغم من ذلك بتعريفه للحقائق الاجتماعية كأشياء مستقلة عن الفرد وقاهرة له، قام دوركايم بعمل جيد ( على الأقل بالنسبة لوقته ) في تحقيق هدفه في الفصل بين علم الاجتماع وكل من الفلسفة وعلم النفس .
نحن نعرف الآن أن الحقيقة الاجتماعية شئ مستقل وقاهر لكن ماذا تتضمن غير ذلك؟ في الواقع ميز دوركايم بين نوعين من الحقائق الاجتماعية – مادية وغير مادية. الحقائق الاجتماعية المادية أكثر وضوحاً لأنها حقيقية، كيانات مادية لكنها ذات أهمية ضئيلة في عمل دوركايم وكما قال "الحقيقة الاجتماعية تكون أحياناً مادية للدرجة التى تكون فيها جزءًا من العالم الخارجي" المعمار والقانون مثالان لما عنى به الحقائق الاجتماعية المادية وسنرى العديد من الأمثلة الأخرى في هذا الفصل .
لكن الجزء الأكبر من عمل دوركايم وجوهر علم اجتماعه يختص بدراسة الحقائق الاجتماعية غير المادية. إن ما يطلق عليه علماء الاجتماع اليوم المعايير والقيم مثال جيد لما عنى به دوركايم الحقائق الاجتماعية غير المادية. لكن هذه الفكرة تخلق مشكلة. كيف أن الحقائق الاجتماعية غير المادية مثل المعايير والقيم تكون خارجية ومستقلة عن الفاعل ؟ أين يمكن أن نجدها إن لم يكن ذلك في عقول الفاعلين ؟ وإذا كانت في عقول الفاعلين أليست هى داخلية وغير خارجية ومستقلة؟
لتوضيح هذه القضية لابد من تنقية حجة دوركايم بالقول، في حين أن الحقائق الاجتماعية المادية خارجية ومستقلة بوضوح وقاهرة للفاعل فإن الحقائق غير المادية ليست بذلك الوضوح. فهي إلى حد ما موجودة في عقول الفاعلين. وأفضل الطرق لفهم الحقائق الاجتماعية غير المادية هو أن نعتبرها خارجية وقاهرة للحقائق السيكولوجية. بهذه الطريقة يمكننا أن نرى الحقائق السيكولوجية وبعض الحقائق الاجتماعية موجودة داخل الوعي. لقد أوضح دوركايم هذا في أكثر من مكان. فقد ذكر "أن العقول الفردية عندما تكون مجموعات باندماجها وانصهارها فإنها تنتج وجوداً سيكولوجياً لكنها تكون فردية نفسية من نوع جديد" وفى موضع آخر ذكر "هذا لا يعنى أن الحقائق الاجتماعية غير المادية ليست عقلية تماماً بما أنها تحتوى على طرق للتفكير والسلوك" لذلك من الأفضل التعامل مع الحقائق الاجتماعية غير المادية كظواهر عقلية لكنها خارجية وقاهرة لجانب آخر من العملية العقلية، ذلكم هو الحقائق السيكولوجية.
يهتم علم الاجتماع بالظواهر لكنها عادة تختلف عن تلك الظواهر العقلية موضوع علم النفس. لذلك فان دوركايم ذكر أن علماء الاجتماع مهتمون بالقيم والمعايير فى حين أن علماء النفس مهتمون بأشياء مثل الغرائز الإنسانية. تلعب الحقائق الاجتماعية دوراً أساسيا في علم اجتماع دوركايم. لاستخراج أهم الحقائق الاجتماعية من أعماله وتحليل أفكاره عن العلاقات بين تلك الظواهر فمن الأفضل أن نبدأ بمحاولاته تنظيم الحقائق الاجتماعية في مستويات من الواقع الاجتماعي. لقد بدأ دوركايم بالحقائق الاجتماعية المادية ليس لأنها هى الأهم لكن لأن مكوناتها تأخذ أهمية عرضية في تنظيره. إنها تؤثر على الحقائق الاجتماعية غير المادية، موضوع اهتمامه الأساسي.
المستويات الكبرى للواقع الاجتماعي في أعمال دور كايم يمكن تصنيفها كما يلي :-
أ- الحقائق الاجتماعية المادية
1-المجتمع
2- المكونات البنيوية للمجتمع ( الدولة مثلاً )
3- المكونات المورفولوجية للمجتمع (توزيع السكان ، قنوات الاتصال ، ترتيبات المساكن مثلاً )
ب- الحقائق الاجتماعية غير المادية
1- الأخلاق
2- الضمير الجمعي
3- التمثل الجمعي
4- التيارات الاجتماعية
يمكننا متابعة منطق نظرية دوركايم في تحليله لتطور العالم الحديث. هذا يبدو واضحاً في أحد أهم أعماله ( تقسيم العمل في المجتمع).
تقسيم العمل في المجتمع
أسس دوركايم تحليله في ( تقسيم العمل في المجتمع ) على مفهومه عن نوعين مثاليين من المجتمعات. النوع الأكثر بساطة يتميز بالتضامن الآلي وهو ذو بناء اجتماعي غير متباين نسبياً وينعدم فيه تقسيم العمل أو يوجد في أدنى درجاته. النوع الحديث يتميز بالتضامن العضوي وبه تقسيم واسع للعمل. بالنسبة لدوركايم تقسيم العمل في المجتمع حقيقة اجتماعية مادية تتضمن الدرجة التى يتحدد فيها تخصيص الأعمال والمسئوليات. الناس في المجتمعات البسيطة يحتلون مواقع عامة جداً يؤدون فيها قدر واسع من المهام المختلفة ويتعاملون مع عدد كبير من المسئوليات. بمعنى آخر إن الشخص البسيط هو رجل كل المهن. على النقيض من ذلك فإن أولئك الذين يعيشون في مجتمعات حديثة يحتلون مواقع أكثر تخصصاً ولهم نطاق ضيق من المهام والمسئوليات. مثلا ً دور الأم ربة المنزل في المجتمعات البسيطة له موقع أقل تخصصاً من دور الأم اليوم (خدمات الغسيل، خدمات التوصيل للمنازل، والأجهزة المنزلية، ماكينات الغسيل، الأفران الخ ) تؤدى عدد من المهام كانت في السابق مسئولية الأم ربة المنزل .
التغير في تقسيم العمل له انعكاسات عديدة على بنية المجتمع وبعض أهم هذه الانعكاسات يظهر في الاختلاف بين نوعى التضامن – آلي وعضوي. في تناوله لموضوع التضامن كان دوركايم مهتماً بما يجعل المجتمع متماسكاً. المجتمع الذى يتميز بالتضامن الآلي موحد لأن كل الناس عموميين. الرابطة بين الناس تتمثل في أنهم جميعاً يؤدون نفس المهام ولهم مسئوليات متشابهة. على النقيض من ذلك، المجتمع الذى يتميز بالتضامن العضوي متماسك بالاختلاف الموجود بين أفراده لان لهم مهام ومسئوليات مختلفة. لأن الناس في المجتمع الحديث يؤدون مهاماً محدودة نسبياً فانهم بحاجة إلى أناس آخرين عديدين للبقاء. الأ سرة البسيطة التى ربها صياد الأم فيها جامعة للغذاء مكتفية ذاتيا ً عمليا ً. لكن الأسرة الحديثة فمن أجل البقاء لمدة أسبوع مثلآً، تحتاج إلى بقال، خباز، جزار، ميكانيكي سيارات، معلم، ضابط بوليس الخ. هؤلاء الناس يحتاجون الخدمات التى يقدمها الآخرون من أجل الحياة في العالم الحديث. فالمجتمع الحديث، كما يرى دوركايم متماسك بتخصص أفراده وحاجتهم إلى خدمات آخرين عديدين.
الكثافة الحيوية
تقسيم العمل حقيقة اجتماعية مادية لدى دوركايم لأنه يمثل نسق التفاعل في العالم الاجتماعي. حقيقة اجتماعية مادية أخرى وذات صلة وثيقة بتقسيم العمل والعامل الأساسي في نظرية دوركايم عن الانتقال من التضامن الآلي إلى التضامن العضوي هى الكثافة الحيوية.
مفهوم الكثافة الحيوية يعنى عدد السكان في المجتمع وكمية التفاعل الذى يحدث بينهم. الزيادة السكانية أو الزيادة في التفاعل إذا أخذنا كلاً على حدة لا يشكلان عاملاً مهماً في التغير الاجتماعي. لكن الزيادة في أعداد الناس مصحوبة بزيادة في التفاعل بينهم ـ الكثافة الحيوية- يؤديان إلى التغير من التضامن الآلي إلى التضامن العضوي لانهما معاً يقودان إلى المزيد من التنافس حول الموارد النادرة وصراع أكثر كثافة من أجل البقاء بين مختلف مكونات المجتمع البسيط المتشابهة والمتوازية. وبما أن الأفراد والمجموعات، الأسر، والقبائل وما إلى ذلك تؤدى أدواراً متشابهة فغالباً ما يصطدمون حول هذه الأدوار خاصة في حالة ندرة الموارد. نشوء تقسيم العمل يسمح للناس والبنيات الاجتماعية التى يخلقونها بالتكامل أكثر من الصراع مع بعضهم البعض وهذا بدوره يجعل التعايش السلمي أكثر احتمالاً. إضافة إلى ذلك فإن الزيادة في تقسيم العمل تؤدى إلى المزيد من الفعالية وينتج عن ذلك الزيادة في الموارد مما يسمح لعدد أكبر وأكبر من الناس بالبقاء في سلام.
كان دوركايم مهتماً أيضاً بتوضيح كيف أن تقسيم العمل والكثافة الحيوية يقودان إلى نوع مختلف من التضامن الاجتماعي. لقد كان مهتماً بشكل أساسي بتأثير هذه التغيرات المادية على الحقائق الاجتماعية غير المادية وطبيعتها في المجتمعات ذات التضامن الآلي والعضوي. لكن ونسبة لتصوره عن أي نوع من العلم يجب أن يكون علم الاجتماع، شعر دوركايم أنه من الصعوبة دراسة الحقائق الاجتماعية غير المادية مباشرة. الدراسة المباشرة للحقائق غير المادية كانت بالنسبة له موضوعاً فلسفياً أكثر من أنه موضوعاً لعلم الاجتماع. ومن أجل دراسة الحقائق غيرالمادية علمياً يجب على عالم الاجتماع البحث عن الحقائق المادية ودراستها لأنها هى التى تحدد طبيعة الحقائق غير المادية والتغيرات داخلها. في( تقسيم العمل في المجتمع ) يلعب هذا الدور القانون والفرق في القانون بين المجتمعات ذات التضامن الآلي والعضوي.
في حين أن معاملة الحقائق الاجتماعية كأشياء جابهت التهديد من الفلسفة لكن لم تكن كافية لمواجهة التهديد من علم النفس. ومثل علم الاجتماع الدوركايمى فان علم النفس يعتمد أيضا ً على الدراسة الميدانية. ولتمييز علم الاجتماع عن علم النفس ذكر دوركايم أن الحقائق الاجتماعية مستقلة عن الفاعل وقاهرة له. لذلك فان علم الاجتماع يدرس الحقائق الاجتماعية في حين أن علم النفس يدرس الحقائق السيكولوجية. بالنسبة لدوركايم، الحقائق السيكولوجية أو النفسية هى في الأساس ظواهر موروثة. بالرغم أن هذا لا ينطبق على علم النفس اليوم وربما لم يكن وصفا دقيقا لعلم النفس في ذلك الوقت، لكنه مكن دوركايم من الفصل بين المجالين.
الحقائق السيكولوجية هى بالتأكيد داخلية موروثة والحقائق الاجتماعية مستقلة وقاهرة. وكما سنرى بعد قليل هذا التمييز ليس نقياً كما ود دوركايم أن نعتقد. على الرغم من ذلك بتعريفه للحقائق الاجتماعية كأشياء مستقلة عن الفرد وقاهرة له، قام دوركايم بعمل جيد ( على الأقل بالنسبة لوقته ) في تحقيق هدفه في الفصل بين علم الاجتماع وكل من الفلسفة وعلم النفس .
نحن نعرف الآن أن الحقيقة الاجتماعية شئ مستقل وقاهر لكن ماذا تتضمن غير ذلك؟ في الواقع ميز دوركايم بين نوعين من الحقائق الاجتماعية – مادية وغير مادية. الحقائق الاجتماعية المادية أكثر وضوحاً لأنها حقيقية، كيانات مادية لكنها ذات أهمية ضئيلة في عمل دوركايم وكما قال "الحقيقة الاجتماعية تكون أحياناً مادية للدرجة التى تكون فيها جزءًا من العالم الخارجي" المعمار والقانون مثالان لما عنى به الحقائق الاجتماعية المادية وسنرى العديد من الأمثلة الأخرى في هذا الفصل .
لكن الجزء الأكبر من عمل دوركايم وجوهر علم اجتماعه يختص بدراسة الحقائق الاجتماعية غير المادية. إن ما يطلق عليه علماء الاجتماع اليوم المعايير والقيم مثال جيد لما عنى به دوركايم الحقائق الاجتماعية غير المادية. لكن هذه الفكرة تخلق مشكلة. كيف أن الحقائق الاجتماعية غير المادية مثل المعايير والقيم تكون خارجية ومستقلة عن الفاعل ؟ أين يمكن أن نجدها إن لم يكن ذلك في عقول الفاعلين ؟ وإذا كانت في عقول الفاعلين أليست هى داخلية وغير خارجية ومستقلة؟
لتوضيح هذه القضية لابد من تنقية حجة دوركايم بالقول، في حين أن الحقائق الاجتماعية المادية خارجية ومستقلة بوضوح وقاهرة للفاعل فإن الحقائق غير المادية ليست بذلك الوضوح. فهي إلى حد ما موجودة في عقول الفاعلين. وأفضل الطرق لفهم الحقائق الاجتماعية غير المادية هو أن نعتبرها خارجية وقاهرة للحقائق السيكولوجية. بهذه الطريقة يمكننا أن نرى الحقائق السيكولوجية وبعض الحقائق الاجتماعية موجودة داخل الوعي. لقد أوضح دوركايم هذا في أكثر من مكان. فقد ذكر "أن العقول الفردية عندما تكون مجموعات باندماجها وانصهارها فإنها تنتج وجوداً سيكولوجياً لكنها تكون فردية نفسية من نوع جديد" وفى موضع آخر ذكر "هذا لا يعنى أن الحقائق الاجتماعية غير المادية ليست عقلية تماماً بما أنها تحتوى على طرق للتفكير والسلوك" لذلك من الأفضل التعامل مع الحقائق الاجتماعية غير المادية كظواهر عقلية لكنها خارجية وقاهرة لجانب آخر من العملية العقلية، ذلكم هو الحقائق السيكولوجية.
يهتم علم الاجتماع بالظواهر لكنها عادة تختلف عن تلك الظواهر العقلية موضوع علم النفس. لذلك فان دوركايم ذكر أن علماء الاجتماع مهتمون بالقيم والمعايير فى حين أن علماء النفس مهتمون بأشياء مثل الغرائز الإنسانية. تلعب الحقائق الاجتماعية دوراً أساسيا في علم اجتماع دوركايم. لاستخراج أهم الحقائق الاجتماعية من أعماله وتحليل أفكاره عن العلاقات بين تلك الظواهر فمن الأفضل أن نبدأ بمحاولاته تنظيم الحقائق الاجتماعية في مستويات من الواقع الاجتماعي. لقد بدأ دوركايم بالحقائق الاجتماعية المادية ليس لأنها هى الأهم لكن لأن مكوناتها تأخذ أهمية عرضية في تنظيره. إنها تؤثر على الحقائق الاجتماعية غير المادية، موضوع اهتمامه الأساسي.
المستويات الكبرى للواقع الاجتماعي في أعمال دور كايم يمكن تصنيفها كما يلي :-
أ- الحقائق الاجتماعية المادية
1-المجتمع
2- المكونات البنيوية للمجتمع ( الدولة مثلاً )
3- المكونات المورفولوجية للمجتمع (توزيع السكان ، قنوات الاتصال ، ترتيبات المساكن مثلاً )
ب- الحقائق الاجتماعية غير المادية
1- الأخلاق
2- الضمير الجمعي
3- التمثل الجمعي
4- التيارات الاجتماعية
يمكننا متابعة منطق نظرية دوركايم في تحليله لتطور العالم الحديث. هذا يبدو واضحاً في أحد أهم أعماله ( تقسيم العمل في المجتمع).
تقسيم العمل في المجتمع
أسس دوركايم تحليله في ( تقسيم العمل في المجتمع ) على مفهومه عن نوعين مثاليين من المجتمعات. النوع الأكثر بساطة يتميز بالتضامن الآلي وهو ذو بناء اجتماعي غير متباين نسبياً وينعدم فيه تقسيم العمل أو يوجد في أدنى درجاته. النوع الحديث يتميز بالتضامن العضوي وبه تقسيم واسع للعمل. بالنسبة لدوركايم تقسيم العمل في المجتمع حقيقة اجتماعية مادية تتضمن الدرجة التى يتحدد فيها تخصيص الأعمال والمسئوليات. الناس في المجتمعات البسيطة يحتلون مواقع عامة جداً يؤدون فيها قدر واسع من المهام المختلفة ويتعاملون مع عدد كبير من المسئوليات. بمعنى آخر إن الشخص البسيط هو رجل كل المهن. على النقيض من ذلك فإن أولئك الذين يعيشون في مجتمعات حديثة يحتلون مواقع أكثر تخصصاً ولهم نطاق ضيق من المهام والمسئوليات. مثلا ً دور الأم ربة المنزل في المجتمعات البسيطة له موقع أقل تخصصاً من دور الأم اليوم (خدمات الغسيل، خدمات التوصيل للمنازل، والأجهزة المنزلية، ماكينات الغسيل، الأفران الخ ) تؤدى عدد من المهام كانت في السابق مسئولية الأم ربة المنزل .
التغير في تقسيم العمل له انعكاسات عديدة على بنية المجتمع وبعض أهم هذه الانعكاسات يظهر في الاختلاف بين نوعى التضامن – آلي وعضوي. في تناوله لموضوع التضامن كان دوركايم مهتماً بما يجعل المجتمع متماسكاً. المجتمع الذى يتميز بالتضامن الآلي موحد لأن كل الناس عموميين. الرابطة بين الناس تتمثل في أنهم جميعاً يؤدون نفس المهام ولهم مسئوليات متشابهة. على النقيض من ذلك، المجتمع الذى يتميز بالتضامن العضوي متماسك بالاختلاف الموجود بين أفراده لان لهم مهام ومسئوليات مختلفة. لأن الناس في المجتمع الحديث يؤدون مهاماً محدودة نسبياً فانهم بحاجة إلى أناس آخرين عديدين للبقاء. الأ سرة البسيطة التى ربها صياد الأم فيها جامعة للغذاء مكتفية ذاتيا ً عمليا ً. لكن الأسرة الحديثة فمن أجل البقاء لمدة أسبوع مثلآً، تحتاج إلى بقال، خباز، جزار، ميكانيكي سيارات، معلم، ضابط بوليس الخ. هؤلاء الناس يحتاجون الخدمات التى يقدمها الآخرون من أجل الحياة في العالم الحديث. فالمجتمع الحديث، كما يرى دوركايم متماسك بتخصص أفراده وحاجتهم إلى خدمات آخرين عديدين.
الكثافة الحيوية
تقسيم العمل حقيقة اجتماعية مادية لدى دوركايم لأنه يمثل نسق التفاعل في العالم الاجتماعي. حقيقة اجتماعية مادية أخرى وذات صلة وثيقة بتقسيم العمل والعامل الأساسي في نظرية دوركايم عن الانتقال من التضامن الآلي إلى التضامن العضوي هى الكثافة الحيوية.
مفهوم الكثافة الحيوية يعنى عدد السكان في المجتمع وكمية التفاعل الذى يحدث بينهم. الزيادة السكانية أو الزيادة في التفاعل إذا أخذنا كلاً على حدة لا يشكلان عاملاً مهماً في التغير الاجتماعي. لكن الزيادة في أعداد الناس مصحوبة بزيادة في التفاعل بينهم ـ الكثافة الحيوية- يؤديان إلى التغير من التضامن الآلي إلى التضامن العضوي لانهما معاً يقودان إلى المزيد من التنافس حول الموارد النادرة وصراع أكثر كثافة من أجل البقاء بين مختلف مكونات المجتمع البسيط المتشابهة والمتوازية. وبما أن الأفراد والمجموعات، الأسر، والقبائل وما إلى ذلك تؤدى أدواراً متشابهة فغالباً ما يصطدمون حول هذه الأدوار خاصة في حالة ندرة الموارد. نشوء تقسيم العمل يسمح للناس والبنيات الاجتماعية التى يخلقونها بالتكامل أكثر من الصراع مع بعضهم البعض وهذا بدوره يجعل التعايش السلمي أكثر احتمالاً. إضافة إلى ذلك فإن الزيادة في تقسيم العمل تؤدى إلى المزيد من الفعالية وينتج عن ذلك الزيادة في الموارد مما يسمح لعدد أكبر وأكبر من الناس بالبقاء في سلام.
كان دوركايم مهتماً أيضاً بتوضيح كيف أن تقسيم العمل والكثافة الحيوية يقودان إلى نوع مختلف من التضامن الاجتماعي. لقد كان مهتماً بشكل أساسي بتأثير هذه التغيرات المادية على الحقائق الاجتماعية غير المادية وطبيعتها في المجتمعات ذات التضامن الآلي والعضوي. لكن ونسبة لتصوره عن أي نوع من العلم يجب أن يكون علم الاجتماع، شعر دوركايم أنه من الصعوبة دراسة الحقائق الاجتماعية غير المادية مباشرة. الدراسة المباشرة للحقائق غير المادية كانت بالنسبة له موضوعاً فلسفياً أكثر من أنه موضوعاً لعلم الاجتماع. ومن أجل دراسة الحقائق غيرالمادية علمياً يجب على عالم الاجتماع البحث عن الحقائق المادية ودراستها لأنها هى التى تحدد طبيعة الحقائق غير المادية والتغيرات داخلها. في( تقسيم العمل في المجتمع ) يلعب هذا الدور القانون والفرق في القانون بين المجتمعات ذات التضامن الآلي والعضوي.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى